التنوّع  المحمود

مع كثرة الحديث عن "التركيز"، والمنافع الحاصلة من هذا التركيز، سيبقى هناك فئة لا يناسبها هذا الطرح، وتراه تحجيمًا لقدراتها .. وحتى تستثمر هذه الفئة طاقتها بصورة أمثل، فإنه يجب أن أبيّن أن هناك ما أستطيع أن أسميه: "التنوع المحمود" ، وهو ليس لكل أحد، بل لفئة معينة، وهي تسير بخطٍ متوازٍ مع مَن تُجدي معهم أداة "التركيز" ، فليست إحدى الفئتين بأقل من الأخرى أو أعلى منها، بل يسيرون جميعًا في خطوطٍ متوازية، وهم مكملون لبعضهم البعض. 


قد يظن بعض أصحاب التشتت أنهم مِن ذوي المهارات والمواهب المتنوعة، وحين يقرأون هذه التدوينة يظنون أنفسهم أصحاب تنوعٍ محمود، وبعدَ تأملٍ، رأيتُ أن ثمة سبعة شروط يجب توافرها لتكون صاحب تنوعٍ محمود لا صاحب تشتت مذموم، وهي كالتالي:

  •  أولًا: أن تكون مشاريعه وأعماله حول رؤيته التي رسمها لنفسه؛ فقد تتعدد المشاريع ولكن الرؤية واحدة، فإن وُجِدَت مشاريعهُ غير متناغمة مع رؤية واضحة، فقد يكون واقعًا في التشتت باسم التنوع!
  •  ثانيًا: أن يحقق إنجازًا ملموسًا؛ بإنهاء ملفات محددة وإنجاح مشاريعه وبرامجه بصورة دورية مُنتظمة، أما الاستمرار في إنشاء مشاريع مع عدم الوصول لنتيجتها المُخطط لها أو قريبًا من ذلك وكثرة التوقف في وسط الطريق فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى؛ فهذا مؤشر على التشتت المذموم. 
  • ثالثًا: أن يتوافق نمط شخصيته مع هذا التوجه من حب التجدد، والتغيير، وعدم الاكتفاء بمشروعٍ واحد، فكما أن هناك شخصيات تتميز حين تركز على مشروعٍ واحد في وقتٍ واحد، فإن ثمة شخصيات لا تتميز ولا تنفتح شهيتها للإنجاز المتميز إلا حين تعمل على عدة ملفات.
  •  رابعًا: أن تكون هذه البرامج المتنوعة يستوعبها وقته وطاقته وجهده وقدرته، ويجب التفريق هنا بين ما يمكن للمرء أن يحققه وِفق الفرص المتوفرة عنده، وبين ما يأمل أن يحققه مما هو فوق إمكاناته وفُرصه، وعدم الصدق مع النفس في هذه النقطة ستكون له نتيجة نهائية غير مُرضية.
  •  خامسًا: أن يكون متطورًا في مشاريعه وأعماله باستمرار ، فشرطٌ أساسي أن هذا التنوّع لا يُفقدهُ التطور فيصبح مكررا لنفسه باستمرار ظانًا أنه يتطور!، فالتنوع يُضيف له تطورًا ولا يجمُد عند مرحلة من حياته، أو عند مشروع من مشاريعه.
  • سادسًا: أن يقع هذا التنوّع وما يتضمّنه وما يندرج تحته ضمن مُثلَّث: الفُرص المتاحة، الإمكانات التي يملكها، الرسالة التي يعمل عليها. 
  • سابعًا: أن يكون لديه قدرات نوعيّة عالية لا يكون مثلها عند نُظرائه، ورأيتها تدور حول ثلاثة أمور:

 أ - يكون عنده قدرة على التركيز الذهني في عدة مشاريع، ولا يُفقده تعدد المشاريع عن الجودة المُقدمة، بل إن تعدد المشاريع يُعتبر إضافة لها.

 ب – أن يكون عنده طاقة بدنيّة تؤهله للعمل ساعات طويلة في اليوم الواحد.

 ج – أن يكون عنده مرونة نفسيّة وأخلاقية كبيرة، فيكون عنده قدرة على التعامل والتأقلم مع تنوّع الشخصيات والمواقف والطوارئ والتحديات. هذا، ويجب التأكيد على الصدق والموضوعية والعدل مع النفس، وعدم تحميلها ما لا تُطيق ولا الرضى بدون ما تستطيع.



أ.د. نوح بن  يحيى الشهري